-
-
مــقـــدمـــة !
مــقـــدمـــة !
يقول الشاعر :
أما ترى البحر تعلو فوقه جيفٌ ** وتستقر بأقصى قاعة الدُررُ
من خلال هذا البيت يمكنني أن ألخص فكرة الطرح ،، بل من خلال هذا البيت يمكننا أن نلخص كرة القدم كلها . . عندما نتحدث عن وجود القيمة الحقيقية للشيء في أعماقه لا في قشوره ،، ولنقول أن نظرة المشاهد البسيط أو رأي المتابع العابر لا يمكن أن يكون مشابهاً لرأي المتابع الدقيق والجيد والمتعمق !! فـ " الكتاب واضح من عنوانه " لا يعدو كونه مجرّد مثل . . لا يعكس حقيقة المضمون ،، فـ بعض العناوين لا تعكس حقيقة المضمون فعلاً . . حتى العنوان الذي اخترته للمقال يشمله هذا الأمر !!
الهدف من الموضوع ليس التقديس ولا التحقير ولكن النظرة الواقعية للأمور بشكل عام ولغوارديولا بشكل خاص ،، فلا تتم معاملته كـ رجل خارق يستطيع أن يحقق كل الألقاب الممكنة في كل موسم يلعب به ويفوز بشكل شيء متوفر ،، ولا ذاك الفاشل المحظوظ الذي يختبئ تحت عباءة النجوم ولا يملك فكراً ولا أسلوباً ولا فلسفة ولا أي إنجاز شخصي أو أي بصمة مؤثرة !!
بـــارســـا بــــيـــب / بــيــب الــبــارسا !!
الجيل الذهبي الخالد الذي قاده غوارديولا في برشلونة ،، أثار الكثير من الجدل حول بيب من قبل بعض المشككين . حيث يرون أن برشلونة كان الفريق الذي لا يحتاج إلى مدرب حتى يفوز بالألقاب ،، رغم أن الحقائق تقول عكس هذا تماماً . فـ آخر موسمين قبل غوارديولا وأول موسمين بعد غوارديولا البارسا لم يحقق سوى بطولة كبرى "واحدة" من أصل ١٢ ممكنة أي بنسبة ٨٪ فقط من إجمالي البطولات !! بينما في عهد غوارديولا البارسا حقق ٧ بطولات ممكنة من أصل ١٢ ممكنة أي بنسبة تتجاوز الـ ٥٨٪ ،، خلال الـ ٤ مواسم التاريخية التي قضاها بيب هناك في كتلونيا والكامب نو . كما أنه بالإجمال حقق ١٤ بطولة من أصل ١٨ ممكنة أي بنسبة نجاح ٧٧٪ ،، مقابل بطولتين من أصل ١٤ ممكنة قبل وبعد بيب بموسمين أي بنسبة نجاح ١٤٪ فقط !! هذا كله فيما يخص الحقائق والأرقام بشكل عام ،، فضلاً عن الأرقام القياسية العظيمة في تفاصيل شهدناها ونعرفها جميعاً .
أما عناصرياً ،، فلا يبدو أن هناك فارق كبير في تشكيلة بيب الأساسية في ٢٠٠٩ عن تشكيلة ريكارد الأساسية في ٢٠٠٨ باستثناء " داني ألفيس " . لكن بيب هو من قرر بشجاعة الإستغناء عن رونالدينهو وديكو ،، وأعطى الفرصة لميسي وتشافي وإنييستا بشكل أكبر وبمهام أكبر من تلك التي كانوا يؤدونها في عهد ريكارد !! فضلاً عن خلقه لروح الجماعة داخل غرف الملابس بعد أن كانت الحزبية تطغى على الفريق ،، وبعد أن كانت المشاكل تعصف بهم خلف الكواليس . بيب غيّر النظام الداخلي بشكل كامل حتى بتفاصيله الدقيقة كـ "طاولة الطعام" عندما طلب أن تكون دائرية الشكل لتظهر الجماعية وتزيل الحزبية وكذلك طلب أن يتحدث بالجميع باللغة الكتلونية ،، ليكون الحديث مفهوماً للجميع . حتى في قدومهم وفي لبسهم وفي تصرفاتهم وحتى في حضورهم وانصرافهم بيب كان يتعامل معهم وكأنهم بالفعل "أطفال مدارس" في مدرسة داخلية تتبع إجراءات صارمة لكنها تخرّج عباقرة ومبدعين !!
بيب أيضاً اهتم بجانب "اللاماسيا" وشبان البارسا ،، وأعطى الأمل لكل اللاعبين هناك بعد أن كان التوجه لهم ضعيفاً - ولا أقول معدوماً - في عصر ريكارد . ففي عهده باتت أعمدة الفريق تعتمد على أبناء المدرسة بشكل واضح ،، بميسي وتشافي وإنييستا وبويول وفالديس في التشكيل الأساسي ،، فضلاً عن إبراز مواهب آخرين وإعطائهم الفرصة كـ بيدرو وبوسكيتس وتياغو وبارترا ومونتويا وكوينكا وتيو وغيرهم . كذلك استعادته لبيكي وسيسك إلى الفريق الكتلوني مجدداً ولم شمل الأبناء من جديد .
ورغم أن تجربة غوارديولا مع البارسا كانت ناجحةً بكل المقاييس ،، وكانت تصنف على أنها واحدة من أعظم العصور والحقب الكروية ،، إذا لم تكن هي الأعظم بالفعل ! ومع ذلك فهي لم تكن خالية من الأخطاء والعيوب في بعض المباريات سواءً الأخطاء الفنية أو أخطاء التعاقدات أو بعض المشاكل في غرف الملابس وإن كان تأثيرها لا يبدو كبيراً ولكنه يثبت أن الكمال في كرة القدم مجرد "وهم" ولا يمكن تحقيقه أو بلوغه مهما وصلت درجة الإبداع والإجتهاد والنجاحات .
لـيـونـيـل مـيـسـي !!
الفتى المعجزة وصاحب الموهبة الإلهية الخالصة والأسطورة الذي يحلم كل نادي بالتوقيع معه وكل لاعب باللعب لجانبه وكل مدرب بدريبه ،، ولاشك أن بيب غوارديولا أحد المحظوظين فعلاً بفرصة تدريب لاعب بقيمة وإمكانيات وموهبة ليونيل !! إلا أن البعض قد بالغ في تصويره لهذا الأمر ،، حيث أن استفادة بيب من ميسي لم تكن من جانب واحد فقط بل كانت متبادلة ومن الجانبين على حد سواء !! فـ بيب لم يحظى بنجم جاهز تماماً ،، كـ حصول مورينهو أو آنشيلوتي على فرصة تدريب كريستيانو في الريال ،، حيث قدم إلى العاصمة الإسبانية وهو نجم جاهز ومصقول تماماً من قبل مدربه السابق السير أليكس فيرجسون !!
البعض لديه مفهوم خاطئ حول صقل بيب لموهبة ميسي وخلقه له كـ نجم خارق بدلاً من لاعب شديد الموهبة !! فـ عندما نقول أن بيب صنع ميسي خارق ،، لا يعني أن ميسي كان مجرد لاعب عادي تحول فجأةً إلى خارق . فـ لا يمكن أن يراهن بيب على أي لاعب وأن يطلب رحيل رونالدينهو ومنح ميسي الرقم "10" الأسطوري والخالد في نادي برشلونة لأي شخص ولا لأي موهبة . لكن حديثنا عن جانب إعطاء ميسي الفرصة والثقة وصقل موهبته وتطوير فكره وتحسين جسمانيته وتقديمه للعالم بشكل مختلف
يقول أحدهم أن ميسي حتى قبل بيب كان "ثاني أفضل لاعب في العالم" وأن حصوله على المركز الأول كان طبيعياً ومسألة وقت . لكن في الحقيقة الأمر لم يكن متعلقاً أبداً بـ عامل الزمن ولا بحصول ميسي على المركز الأول ! فـ بيب حول ميسي من لاعب منافس على الأفضلية إلى لاعب "محتكر" للأفضلية ! هذا الإحتكار وتلك الأفضلية لم يكن عامل الوقت فيها هو الفيصل ،، بل كان الكثير من العمل الفردي والجماعي ،، فـ كل لاعب يحتاج إلى النجاحات الجماعية لتدعم من حظوظه بالجائزة ،، وتلك النجاحات في برشلونة لم تكن متوفرة سابقاً ،، ولم تكن مضمونة لأي مدرب يستلم قيادة الفريق بعد ريكارد إلا أن يكون عظيماً كـ بيب !!
في الكتاب الذي يروي حكاية غوارديولا ومسيرته مع برشلونة ،، أشار أنه عندما استلم بيب زمام الأمور في برشلونة وخاض تدريباته مع الفريق ،، كان يلاحظ على ميسي بأنه شارد الذهن وصامت طوال الوقت ما جعل بيب يصر على معرفة السبب حتى علم أنه يريد المشاركة مع الأرجنتين في الأولومبياد فـ أذن له بالرحيل وكانت تلك بداية للعلاقة الأبوية الأخوية بين بيب وميسي . وتخيلوا أن الإهتمام لم يكن "نفسي" فقط ،، بل حتى من الجانب البدني والصحي حيث كان بيب قد خصص مرافق خاص بشكل دائم مع ميسي - حتى في الإجازات الخاصة - مع وضع برنامج غذائي صارم للاعب ،، تحسب فيه حتى كمية شرب الماء في اليوم . الطريف ما سبق وأن نشرته صحيفة الـ AS في إحدى تقاريرها عن بيب - ميسي عندما شوهد بيب وهو يوبخ ميسي على شرب "الكولا" وأن هذا يؤثر على صحة اللاعب وقوته البدنية !!
أما فنياً ،، فـ الجميع شاهد كيف أن ميسي تغير بشكل جذري وسريع بين عامي ٢٠٠٨-٢٠١٢ ،، ويمكن ملاحظة الفروقات منذ موسمه الأول مع بيب وآخر مواسمه مع ريكارد . هذا من خلال لغة الأرقام والإحصائيات حيث ظهر ميسي بجاهزية أكبر للعب مباريات أكثر على مدى الموسم دون التعرض لإصابات تعيقه عن اللعب ،، وكذلك معدل ميسي التهديفي وكيف انفجر الأرجنتيني فجأةً ليكون خلف كل رقم عظيم يملكه نادي برشلونة ،، وكيف حتى أنه اختلف مركزه في الميدان فأصبح أكثر تحرراً في الهجوم من التقيّد في الجناح الأيمن كما في السابق ،، ما أعطى ليونيل فرصة أكبر لإبراز إمكانياته وقدراته لخدمة الفريق بشكل أفضل !!
المحظوظ فعلاً بتدريب ميسي هم المدربين الذين حصلوا على فرصة تدريب ميسي "أثناء-بعد" عهد غوارديولا ،، حيث بات الآن نجماً جاهزاً تماماً كما ذكرت أعلاه وشبهت الأمر بـ تدريب مورينهو أو آنشيلوتي لكريستيانو ،، وهو مشابه الآن أيضاً لتدريب إنريكي لميسي وهو يحظى بلاعب يتربع على عرش الأفضلية بجاهزية تامة ،، وليس ذلك الشاب الذي يحتاج إلى صقل للموهبة ويحلم بالوصول إلى القمة !!
بــايــرن بــيــب / بــيــب الــبــايــرن !!
عندما أعلن بايرن ميونخ رسمياً توقيع عقده التاريخي مع بيب غوارديولا لـ ٣ سنوات ، كان يخفى على الكثيرين أن هذا الأمر قد تم في "يناير ٢٠١٣" ،، أي في الفترة التي سبقت إنفجار البايرن مع هاينكس وإظهار سطوته على ألمانيا وأوروبا !! فـ قد كان دورتموند هو حامل لقبي الدوري والكأس محلياً وكان البايرن يعاني نوعاً ما في دور المجموعات في ذلك الموسم ،، بالرغم من أنها كانت تضم أندية ليل وفالنسيا وباتي بوريسوف (وتخيلوا أن البايرن عانى من صعوبات شديدة للفوز على فالنسيا ، وتعادل في نهاية المطاف معه بمجموع النقاط لكنه تصدر بأفضلية المواجهات) .
اختيار بيب للبايرن يؤكد صحة وحقيقة موقفه الذي حدث في ٢٠١١ عندما زار بيب مدينة ميونخ مع برشلونة أثناء مباريات الإعداد الصيفي للموسم الجديد (كأس أودي) وبعد أن شاهد اليانز آرينا والأجواء والجماهير والنجوم قال بالحرف الواحد : " أتخيل نفسي أدرب هنا في يوم من الأيام ". ما يجعلنا مؤمنين بأن بيب اختار البايرن ليس لأنه بطلاً للثلاثية أو رغبةً بأن يحظى بـ "دوري سهل" كما يُشاع ،، بل لإعجابه بالنادي ولإيمانه أنه قادر على تطبيق فلسفته في هذا المكان ولأنه بالطبع يجد فيه كل الإمكانيات التي يحتاجها .
اختيار بيب للبايرن يؤكد صحة وحقيقة موقفه الذي حدث في ٢٠١١ عندما زار بيب مدينة ميونخ مع برشلونة أثناء مباريات الإعداد الصيفي للموسم الجديد (كأس أودي) وبعد أن شاهد اليانز آرينا والأجواء والجماهير والنجوم قال بالحرف الواحد : " أتخيل نفسي أدرب هنا في يوم من الأيام ". ما يجعلنا مؤمنين بأن بيب اختار البايرن ليس لأنه بطلاً للثلاثية أو رغبةً بأن يحظى بـ "دوري سهل" كما يُشاع ،، بل لإعجابه بالنادي ولإيمانه أنه قادر على تطبيق فلسفته في هذا المكان ولأنه بالطبع يجد فيه كل الإمكانيات التي يحتاجها .
بعد أن أعلن هاينكس نيته الرحيل عن بايرن والإعتزال نهائياً بعد (٣٣ عام) قضاها في عالم التدريب . كان لزاماً على بايرن البحث عن مدرب يقود الفريق للنجاحات ويستمر بجعل البايرن واحداً من أفضل أندية أوروبا ،، ولم يكن كما يشاع بأنهم قد جلبوا بيب فقط من أجل تحقيق دوري الأبطال ،، فهم لم يحققوا بعد هذا اللقب حتى مع هاينكس آنذاك !! لذلك الفكرة كانت جلب مدرب ناجح يستمر الفريق معه بتحقيق النجاحات وأن لا تحدث إنتكاسة كما حدث مع فان غال وبعد رحيل الهولندي في ٢٠١١ .
ويحظى غوارديولا بأعلى مرتب في العالم حالياً ،، هذا الأمر يعكس ثقة إدارة النادي البافاري به ويعكس أيضاً حجم الإعتماد عليه ،، فـ ليس من المعروف أن الأندية الألمانية تدفع بسخاء الإنجليز أو بجنون البارسيين أو بإغراء الإسبان غالباً . هذا الأمر يترك تساؤل وحيد : هل نادي كبير مثل البايرن أحمق لدرجة أن يوقع عقداً مع مجرد مدرب محظوظ بميسي وبقية عناصر برشلونة ؟ أم لأنه يملك فكر وفلسفة يرحب بها النادي الألماني وتراهن عليها إدارة البايرن ؟ إذا ما أخذنا بالإعتبار أن النجاح أو الفشل يظل مسألة غيبية والتوفيق بيد الله سبحانه .
يقلل البعض من قيمة البوندسليجا حيث كانت وجهة غوارديولا ،، ويرى البعض أنه اختار الطريق السهل بدلاً من الرحيل إلى الدوري الأصعب - حسب تصنيف القائل - قاصداً بذلك الدوري الإنجليزي الممتاز ،، والذي توج به مدربين دون المستوى الذي يصل له غوارديولا ،، عندما فاز بلجريني ومن قبله مانشيني بـ لقب البريميرليج !! رغم أن غوارديولا سبق وأن فاز بالدوري الإسباني في ٣ من أصل ٤ مناسبات ،، وتعد الليغا الإسبانية بأنديتها في صدارة تصنيف الإتحاد الأوروبي ،، ما يجعل المنافسة وصعوبتها في إسبانيا ليست سهلة على الإطلاق ،، بدليل أن مدربين كبار مثل مورينهو وآنشيلوتي لديهم "مجتمعين" لقب ليغا واحدة من أصل "٥ ألقاب" ممكنة مع ريال مدريد !! بينما الإثارة الحقيقية في البريميرليج تبقى في المنافسة الرقمية ،، أما مستوى المنافسين والأداء العام والنتائج ،، فإن البريميرليج لا يعيش أياماً جميلة ولا مواسم عظيمة مؤخراً !!
البعض من حديثه تشعر أنه يساوي بين الدوري "الأسكتلندي" والدوري الألماني ،، حيث أن نادي " سيتلتيك " هناك هو المسيطر وهو من يفرض نفسه وحيداً ،، رغم أن سطوته محلية دون أن يكشر عن الأنياب في أوروبا !! بينما الألمان لديهم منافسة قوية وأندية قوية وتصنيفهم يقع فوق الطليان وقريب من الإنجليز ،، ونتائج الأندية الألمانية في أوروبا تسجل حضور ألماني قوي يشكل الأكثرية العددية بـ "٤ من ١٦" نادي في الأدوار الإقصائية هذا الموسم . كما أنه في الـ ١٠ سنوات الأخيرة محلياً فإن ٤ أندية مختلفة فازت باللقب ،، بينما في الليغا والكالتشيو والبريميرليج كانت هناك ٣ أندية مختلفة فقط !! ولو تحدثنا عن البايرن بشكل خاص ،، فـ إن قوته ليست على الدوري المحلي فقط ،، حيث أنه في دوري أبطال أوروبا (كـ أقوى منافسة أوروبية) منذ عام ٢٠١٠ وحتى ٢٠١٥ وصل إلى النهائي ٣ مرات وإلى نصف النهائي مرتين !!
وبعيداً عن الأمور الجدلية حول أفضلية الدوريات والمقارنة بينهم وحقيقة المنافسات ومعايير الأفضلية ،، نعود للحديث عن البوندسليجا والمنافسة المحلية في ألمانيا . يرى البعض أن البايرن يملك الإمكانيات التي تجعله بطلاً للدوري الألماني دون منافس وهذا صحيح ولا يمكن إنكاره ! لكن الإمكانيات وحدها لا تكفي ،، فـ إمكانيات السيتي واليونايتد في إنجلترا لم تشفع لهم حتى بالمنافسة على الدوري الإنجليزي ،، وإمكانيات تشلسي لم تجعله قادراً على تجاوز البارسيين في الأبطال ،، وحتى إمكانيات الريال الخارقة لم تجعل من اليوفي صيداً سهلاً بل كان ضحيةً للسيدة العجوز !! هذا الاستطراد أردت من خلاله أن أبين أن الإمكانيات وحدها لا تجلب البطولات ،، وفي البوندسليجا وبمجرد أن البايرن ظهر بشكل سيء فقد خسر بـ "٤ أهداف" من وصيفه فولفسبورج ،، ونلاحظ أيضاً أنه بمجرد أن يحسم اللقب ،، فإنه يخسر في الكثير من المباريات بعد ذلك جزء كبير من هذا يمكن تفسيره بأن البايرن عندما لا يلعب بـ ١٠٠٪ من إمكانياته فهو معرض للخسارة ومهدد بفقدان اللقب !!
"يوب هاينكس" المدرب الأسطوري في نادي بايرن ميونخ والكرة الألمانية والأوروبية بشكل عام ،، لم يستطع أن يفوز دائماً بـ لقب الدوري الألماني حتى وهو يقود البايرن وحتى وهو متمرّس وخبير في الكرة الألمانية وأسلوب الألمان . فـ خلال فترتين مختلفتين قاد بهما البايرن (الأولى من ١٩٨٧ إلى ١٩٩١ والثانية من ٢٠١١ إلى ٢٠١٣) فاز بـ الدوري ٣ مرات وخسر اللقب ٣ مرات أيضاً !! كما أنه خلال فترة تواجد هاينكس في البوندسليجا وقيادته لبعض الأندية هناك فـ قد خسر بنتائج ثقيلة بـ ٤ و ٥ و ٦ أهداف !! ولاحظوا أننا نتحدث عن مدرب كبير وخبير ومتمرس ،، مع ذلك لا تبدو البوندسليجا بالنسبة له أمراً سهلاً ودوري في متناول يديه على الدوام !!
في الجانب الآخر فإن "لويس فان غال" كـ واحد من أعظم المدربين في هذا العصر والرجل الذي يملك فكر مستقل وفلسفة خاصة ونجاحات كبيرة في هولندا خاصة وفي إسبانيا أيضاً ،، لم يستطع أن يحقق البوندسليجا على الدوام ولا أن يؤكد للبعض بأنها بالفعل بطولة في المتناول حيث أنه فاز بـ لقب وخسر اثنين (بعد أن أقيل في الثاني) . رغم أنه كان يملك هو الآخر يملك العناصر الأفضل في الدوري ومع النادي الأكبر وسبق وأن كان حاملاً للقب الدوري والكأس في ألمانيا وكان وصيفاً لأوروبا !!
في الجانب الآخر فإن "لويس فان غال" كـ واحد من أعظم المدربين في هذا العصر والرجل الذي يملك فكر مستقل وفلسفة خاصة ونجاحات كبيرة في هولندا خاصة وفي إسبانيا أيضاً ،، لم يستطع أن يحقق البوندسليجا على الدوام ولا أن يؤكد للبعض بأنها بالفعل بطولة في المتناول حيث أنه فاز بـ لقب وخسر اثنين (بعد أن أقيل في الثاني) . رغم أنه كان يملك هو الآخر يملك العناصر الأفضل في الدوري ومع النادي الأكبر وسبق وأن كان حاملاً للقب الدوري والكأس في ألمانيا وكان وصيفاً لأوروبا !!
غوارديولا حتى الآن حقق ٥ ألقاب مع النادي البافاري وحافظ على إبقاء البايرن في دائرة المنافسة على كل البطولات التي ينافس عليها . صحيح أن المنتظر منه أكبر مما حقق ،، ولكنه يظل في دائرة "الرضا" وإن لم يكن في المكانة المثالية . أسباب الإخفاق في البطولات التي لم ينجح البايرن بالفوز بها لا يتحملها بيب لوحده وإن كان لزاماً عليه كـ أي مدرب آخر أن يتحمل جزء من المسؤولية ،، لكن حديثي عن "المبالغة" بردة الفعل حول غوارديولا وتصويره على أنه مدرب فاشل وأن تجربته مع البايرن فاشلة وأنه المدرب الذي خرج من عباءة البارسا فـ تعرّى ،، وأنه المدرب الذي تقتصر فلسفته واهتمامه على الاستحواذ فقط !! دون النظر للأسباب والمبررات الأخرى المؤثرة ،، والأهم دون النظر لإخفاقات الآخرين والحكم عليها بالمثل !!
في موسم بيب الأول مع البايرن كان لزاماً عليه أن يكمل بعض الإنجازات المحسوبة لهاينكس ،، الذي ترك له المنافسة على الثلاثية الصغرى (السوبرين ومونديال الأندية) وهذا طبيعي ويحدث في كرة القدم فـ مورينهو ترك مثلها لبنيتيز وغوارديولا ترك السوبر لتيتو وتيتو ترك سوبر لتاتا والسير أليكس فيرجسون ترك الدرع الخيرية لمويس . . إلخ !! بيب فشل في حصد السوبر الألماني بعد الخسارة من دورتموند في ملعب الأخير رغم أنها كانت خسارة منطقية ،، ليس فقط لقوة الخصم الذي عجز عنه حتى بايرن هاينكس في أرض دورتموند ،، ولكن لأنها المباراة الأولى لبيب ولأن غيابته كانت مؤثرة للغاية حيث غاب نوير وريبري ولم يكن شفايني بكامل الجاهزة البدنية . لكن بيب استطاع بنجاح الفوز بـ السوبر الأوروبي ومونديال الأندية وأهدى اللقب إلى هاينكس !! أما الثلاثية التي نافس عليها بنفسه ،، فقد حسم البوندسليجا في وقت قياسي وحصد الكأس أمام العنيد دورتموند (الذي سبق وأن غلب بايرن هاينكس بخماسية في نهائي الكأس ٢٠١٢) . أما دوري الأبطال فـ نجح بيب بالوصول إلى نصف النهائي وخرج من أمام ريال مدريد بالخسارة ذهاباً وإياباً ،، كانت الخسارة في الإياب قاسية جداً (رباعية نظيفة) .
في موسم بيب الثاني مع البايرن خسر بيب مجدداً من دورتموند كلوب في السوبر الألماني حيث لُعب مجدداً في أرض دورتموند وحينها بدأ مسلسل الإصابات مبكراً مع الفريق ،، حيث سقط خافي مارتنيز مصاباً بـ "قطع في الرباط الصليبي" لتهب عاصفة الإصابات بشكل كامل على كل لاعبي البايرن باستثناء "دانتي" فقط !! أجرى عناصر الفريق البافاري خلالها ١٠ عمليات جراحية ،، ووفقاً للإحصائيات فـ إن البايرن كان أكثر فريق لأوروبا تعرضاً للإصابات ولعباً بالتشكيل المختلف لتغطية تأثير الإصابات على الفريق . الإصابات كانت العامل المرهق فكرياً لبيب والمرهق جسدياً للاعبيه والمؤثر على نتائج الفريق وسيره نحو الألقاب . فـ قد كانت حصيلة البايرن هذا الموسم هي الفوز ببطولة الدوري الألماني فقط ،، والخروج من نصف نهائي الكأس ونصف نهائي الأبطال خلال "أسبوع واحد" شهد من خلاله غياب العديد من العناصر المؤثرة في تشكيل النادي البافاري ،، بجانب ما حدث من سوء حظ وتوفيق في نصف نهائي الكأس حيث لم يوفق الحكم (كما اعترف) في إدارته للقاء بظلمه للبايرن ،، هذا بجانب إضاعتهم لـ ٤ ركلات ترجيحية أيضاً وهو ما يحدث لأول مرة في تاريخ النادي وربما في تاريخ البطولة !!
ومن المتوقع أن يقوم بيب ببعض التغييرات الفنية وتجديد بعض العناصر في تشكيلة البايرن للموسم القادم ،، حيث أن تقدم معظم اللاعبين الكبار في العمر ،، وحاجة الفريق إلى تجديد الدماء تبدو واضحة للغاية . في موسم ثالث وأخير لبيب غوارديولا مع البايرن حيث أيضاً من المتوقع أن يرحل عن صفوف الفريق ويغير الوجهة نحو إنجلترا ،، رغم شائعات الحديث عن إمكانية تجديد النادي البافاري لعقده مجدداً ،، حيث من المتوقع أن تبدأ المفاوضات في منتصف العام القادم كما صرح مصدر مسؤول في النادي الألماني .
إعتراض . . وشكوك حول بيب !!
المشكلة عند الكثير من المعترضين في الغالب يمكن تشخيصها في أمرين ،، الأول وهو الوضع الميؤوس منه حيث أن البعض يبحث عن الزلات والتقليل من إنجازات المدرب سواءً بنسبها لللاعبين أو للحكام والحظ أيضاً ! وهذا النوع من الناس الذين يرون بعين واحدة يصعب التعامل معهم مهما حقق بيب من إنجازات وأظهر بصمته عليها !! النوع الثاني هو من يطالب بيب بشيء أكبر وإنجاز متكرر حتى يعطيه "صك الثقة" ويصنفه بالفعل على أنه مدرب عظيم ،، حيث أن نظرته لفترة نجاحه مع برشلونة فيها الكثير من الشكوك واختياره للبوندسليجا يثير تلك الشكوك أكثر !! رغم أن ما كُتب أعلاه كفيل بأن يزيل جزء كبير من تلك الشكوك وما سيُكتب بالأسفل سيزيل بإذن الله كل الشكوك ،، أو على الأقل سيبقي منها القليل الذي لا يؤثر !!
مشكلة بيب هي أنه لا يجد التقدير المناسب حين ينجح ،، ولا يجد إلا القسوة حين يفشل . دعونا نأخذ خسارته من الريال كـ مثال ! البعض بالغ بنقده في هذه الناحية خاصةً بسبب النتيجة ،، وهذا أمر متوقع ومنطقي للغاية !! لكنه لن يكون كذلك إلا عندما يُلام بيب على عدم بلوغه للنهائي !! أما الحديث عن فشله والحكم على تجربة كاملة بسبب الخروج من نصف النهائي ؟! هذا لم يحدث لمورينهو مثلاً عندما خرج من دور الـ ٣٢ في كأس إنجلترا في أرضه وبين جماهيره وعلى خصم من الدرجة الثانية وبرباعية وبعد أن كان متقدماً بهدفين !! وهذا لم يحدث أيضاً لمورينهو عندما خرج من الأتليتكو في نصف النهائي رغم أن رجال سيميوني حسموا اللقاء على أرض تشلسي !! وكذلك الأمر حدث مع البارسيين في دور الـ ١٦ عندما ودع تشلسي البطولة مبكراً وعلى أرضه وبين جماهيره !! وأنا لا أقول هذا من باب المقارنة بين المدربين أو الناديين إطلاقاً ولكن من باب المقارنة في ردود الأفعال وكيف يتم التعامل بمنطقية نوعاً ما مع مورينهو ،، بينما يتم التعامل بشكل غريب وقاسي مع غوارديولا !! وما ذُكر هو مجرد مثال وهناك العشرات من الأمثلة الأخرى ،، الهدف منها إيصال فكرة وليس لعمل مقارنة كما ذكرت !!
حتى عندما يحسم غوارديولا البوندسليجا بشكل رسمي ولا يترك أي مجال للمنافسة ،، يأتي من يحاسبه عندما يخسر في مباريات "تحصيل الحاصل" بالنسبة لهم . فـ يقول أنه شوّه أرقام البايرن وأن خصومه لم ينتصروا منذوا عقود إلا عندما جاء غوارديولا !! وكأن بيب ورجاله يحتاجون إلى الفوز أو يملكون أي حافز للفوز أو حتى متفرغين لهذا اللقاء أو غير مرهقين وشاردي الذهن بـ لقاءات أخرى في مناسبات أخرى ؟! حتى أصبحت أشكك أن إنجاز تحقيق أسرع بوندسليجا في التاريخ . . بات يُعد عيباً عليه إذا لم ينتصر في بقية المباريات ،، ويحقق للمشجع رغباته الثانوية أو تفاصيل دقيقة يبحث عنها ويطمع بها !!
الكثير من المعترضين يرى أن الحُكم على بيب لابد أن يأتي فقط من خلال تحقيقه لدوري الأبطال ! وحينها سيكسب ثقة هؤلاء وسيحظى أيضاً بمكانة في قلوب البافاريين جميعاً ،، حتى لو خسر الثنائية المحلية لمصلحة أي فريق آخر ! لكن بطولة دوري أبطال أوروبا ليست بالأمنيات ولا حتى بالإمكانيات أو التاريخ . ريال مدريد سابقاً وبنجومه على رأسهم الظاهرة رونالدو وزيدان وفيجو وبيكهام وكارلوس وكاسياس واجهوا أزمة لتخطي دور الـ ١٦ ، وحتى عندما قاد الخبير كابيلو ريال مدريد في ٢٠٠٧ ظلت الأزمة موجودة ! كذلك السيتي بمئات الملايين التي دفعها وحقق من خلالها بطولات محلية لم يستطع أيضاً تجاوز دور الـ ١٦ من بطولة الأبطال . أما باريس بنجومه وملايينه لم يسبق حتى أن تواجد في نصف النهائي ، وأقصى مراحل إنجازاته هي الوصول لدور الـ ٨ . إذاً نحن نتحدث عن بطولة تعقّد حتى من له تاريخ ونجوم وملايين ، فـ ليس من السهل تحقيقها أو أن تقدم مع باقة ورد لجماهير النادي الألماني والذين يدركون جيداً صعوبتها ،، وهم من خسروها في أرضهم في ٢٠١٢ وبين جماهيرهم ،، كما خسروها كذلك في البيرنابيو ٢٠١٠ ،، قبل أن يبتسم لهم الحظ أخيراً في ٢٠١٣ بحصد اللقب في الدقيقة الأخيرة ضد الغريم دورتموند في نهائي ويمبلي !!
لكن التناقض يحدث عندما نرى تشلسي دي ماتيو يتوج بدوري الأبطال !! وهو لا يقارن أبداً بـ بارسا بيب أو بايرن هاينكس أو يونايتد فيرجسون أو ريال آنشيلوتي أو إنتر مورينهو . . ونرى كذلك تشلسي "غرانت" المؤقت يعادل إنجاز الكبير "فينجر" ويصل إلى نهائي الأبطال ويخسر بركلات الحظ الترجيحية !! بينما فياريال بلغريني وملقا بلغريني يصلان إلى مراحل متقدمة من البطولة رغم فارق إمكانياتهم عن أندية أخرى تملك نجوماً أكبر وميزانية أضخم ومدربين أفضل وتاريخ أعرق !! هذه التناقضات ماهي إلا إثبات أن هذه البطولة لا تحتاج فقط إلى نجوم وملايين وتاريخ لتحقيق اللقب ! بل تحتاج إلى عدة عوامل مشتركة يجب أن تتواجد وتتوفر حتى يستطيع أي الفريق إكمال مسيرته فيها وتحقيقه للقب !!
لكن التناقض يحدث عندما نرى تشلسي دي ماتيو يتوج بدوري الأبطال !! وهو لا يقارن أبداً بـ بارسا بيب أو بايرن هاينكس أو يونايتد فيرجسون أو ريال آنشيلوتي أو إنتر مورينهو . . ونرى كذلك تشلسي "غرانت" المؤقت يعادل إنجاز الكبير "فينجر" ويصل إلى نهائي الأبطال ويخسر بركلات الحظ الترجيحية !! بينما فياريال بلغريني وملقا بلغريني يصلان إلى مراحل متقدمة من البطولة رغم فارق إمكانياتهم عن أندية أخرى تملك نجوماً أكبر وميزانية أضخم ومدربين أفضل وتاريخ أعرق !! هذه التناقضات ماهي إلا إثبات أن هذه البطولة لا تحتاج فقط إلى نجوم وملايين وتاريخ لتحقيق اللقب ! بل تحتاج إلى عدة عوامل مشتركة يجب أن تتواجد وتتوفر حتى يستطيع أي الفريق إكمال مسيرته فيها وتحقيقه للقب !!
"الحظ" واحد من أبرز العناصر التي يحتاجها أي فريق للنجاح خاصةًً في بطولة تعتمد على خروج المغلوب ويُلعب كل دور فيها بظروف مختلفة ،، هذا يأتي دون أن يشعر المشجع حقيقةً بأنه محظوظ !! الأمر يبدأ من القرعة في دور المجموعات مروراً بالأدوار الإقصائية وحتى النهائي وكيف يحظى الفريق بمشوار "مناسب" ضد أندية تقل عنه إمكانيات أو أندية يسهل التعامل معها تكتيكياً بجانب ميزة اللعب إياباً على الأرض وبين الجماهير وكذلك بالنظر إلى الظروف التي قد تحيط بالمباراة . الإصابات أيضاً جزء من هذا الحظ ،، فـ فريقك يستطيع أن يهيمن ويسيطر ويفرض أفضليته حتى بلوغ الأدوار المتقدمة ،، ثم في أسبوع واحد يصاب لاعبين او ثلاثة من العناصر المؤثرة وبالتالي سينعكس هذا الأمر على الفريق سلباً رغم أنه ليس الفريق السيء ورغم أن الأمر قد لا يعكس الأفضلية الحقيقية في الظروف المثالية . البطاقات والإيقافات وأخطاء التحكيم هي أيضاً جزء من الحظ الذي قد يخدم أي فريق ،، ولعلنا نستذكر إيقاف "نيدفيد" عن نهائي ٢٠٠٣ وكيف كان الأمر مؤثراً على السيدة العجوز ،، وكلنا قد نخلق سيناريو آخر في أذهاننا في مسألة ماذا لو أن نيدفيد (الحاصل على الكرة الذهبية في ذلك العام) حاضراً في تلك القمة ،، كيف ستكون حظوظ يوفينتوس ؟
أما أكبر مشكلة تواجه غوارديولا فـ هو "استنساخ بارسا بيب" ،، والمطالبة بنفس الإنجازات والأداء والأرقام مع أي فريق مستقبلاً ،، وهذا ما يمكن أن نعتبره من "المستحيلات الكروية" وهذا ما عجز عنه من هم أكبر وأعظم من بيب كـ مسيرة وخبرة تدريبية في مختلف الأندية الأوروبية الكبرى . . وسـ أستعرض بعد قليل بعض الأسماء الكبيرة ونتناقش حول إنجازاتها :
ZoOoOoM
سـ أتحدث في هذه الفقرة عن مدربين كبار وأساطير في عالم التدريب ،، ونتعمق في مسيرتهم العظيمة لنستخرج بعض ما يمكن أن نقيس عليه حالة غوارديولا ،، لندرك من خلال هؤلاء أن ما يقوم به غوارديولا حتى الآن يُعتبر نجاح عظيم ويعكس حقيقة أن استنساخ النجاحات هو أمر مستحيل فعلاً ،، لكن الاستمرار بالنجاح هو ما يميّز المدرب ويظهر قيمته !!
1 ) فابيو كابيلو
لو سألت أي متابع كروي عن "فابيو كابيلو" فلا شك أنه سيتحدث بكل إيجابية عن مدرب إيطالي عظيم وعن مدرسة فكرية تتجسد في رجل ! وسيتحدث عن مسيرة تدريبية ناجحة ومليئة بالإنجازات الكبيرة على الصعيد الشخصي والجماعي أيضاً . . والحقيقة أن أعظم فترة تدريبية لفابيو كابيلو كانت مع الميلان (1991-1996) حيث حقق خلالها ٩ ألقاب تفاصيلها : ٤ دوري - ٣ سوبر إيطالي - ١ دوري أبطال أوروبا - ١ سوبر أوروبي . هذا بجانب الأرقام القياسية الأخرى في تفاصيل تلك الحقبة الذهبية للمدرب الإيطالي مع الميلان .
بعد ذلك انتقل كابيلو لتدريب ريال مدريد ،، وحينها كان ريال مدريد متفرغ للبطولة المحلية بشكل كامل حيث لم يشارك في البطولات الأوروبية في ذلك الموسم . كابيلو حقق بطولة الدوري لريال مدريد رغم خروجه "مبكراً" من بطولة الكأس على يدي الغريم برشلونة في الدور الـ ١٦ . ما يعني أن تفرغ كابيلو لليغا وبفريق كبير مثل ريال مدريد يجعل مهمة الفوز بالدوري أبسط حقوقهم عليه ! ورغم أنه فاز بالفعل بالدوري إلا أن الإدارة والجماهير لم تكن راضية كل الرضا عن عمل كابيلو ،، فـ رحل !!
بعد ذلك عاد إلى الميلان مجدداً بعد موسم واحد من رحيله ،، لكن تلك العودة كانت صادمة لعشاق الميلان ومؤسفة في مسيرة الإيطالي . فهو لم يكتفي بعدم تكرار نجاح الماضي بل بتحقيق نتائج سلبية للغاية ،، فـ خسر بالـ (٣) من الإنتر وبالـ(٤) من اليوفي وبالـ(٥) من روما حتى غادر نهاية الموسم من الباب الضيّق ،، إلا أن جماهير الميلان لم تتحدث عن كونه "مقلب" وأن من صنعه في الجيل الذهبي هم اللاعبون وأنه أصلاً جاء خلفاً لـ "ميلان ساكي" الأسطوري ،، وإن كابيلو تكشّف وتعرّى أمامهم الآن !!
كابيلو رحل بعد ذلك إلى روما (1999-2004) حقق خلال مواسمه الخمس مع النادي العاصمي بطولة دوري واحدة كانت عام 2000 بجانب تحقيقه لكأس السوبر الإيطالي دون أي نجاح يذكر في دوري أبطال أوروبا ،، حيث لم يتجاوز دور المجموعات .
بعد ذلك اتجه كابيلو لتدريب يوفينتوس (2004-2006) حقق من خلالها لقبي الكالتشيو ،، والتي نعرف تفاصيلها وكيف أن الألقاب سُحبت وتم التحقيقات والدخول في متاهة "الكالتشيو بولي" حتى تم قرار المحكمة بهبوط النادي إلى السيريا بي ،، وحينها رحل الكثير من نجوم الفريق الحديدي الذي امتلكه كابيلو كـ إبراهيموفيتش وتورام وزامبروتا وكنفارو وايميرسون وغيرهم !!
كابيلو عاد مجدداً إلى ريال مدريد ،، وحقق بطولة الدوري بعد أن تفرغ له بشكل كامل بسبب فشله في تجاوز دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا ،، وكذلك بسبب خروجه المبكر من الكأس أيضاً في دور الـ 16 من بوابة ريال بيتيس !! انتهى الموسم وقررت إدارة الرئيس كالديرون إقالة الدون كابيلو ،، مجدداً لعدم الرضا بشكل كامل عن أداء المدرب في تقييمهم لموسمه .
إتجه كابيلو إلى تدريب المنتخب الإنجليزي (2008-2012) وكانت التجربة الأكثر فشلاً رغم أن الإنجليز كانوا يملكون عناصر قادرة على إظهار نتائج أفضل . في مونديال 2010 ورغم أن الإنجليز كانوا في مجموعة سهلة وفي المتناول إلا أنهم تأهلوا بصعوبة (مركز ثاني) ليواجهون المنتخب الألماني في دور الـ 16 ويودعون البطولة بعد الخسارة (4-1) رغم الجدل التحكيمي المصاحب لتلك المباراة . بعد ذلك شارك الإنجليز في يورو 2012 وعادوا للحياة مجدداً بعد غيابهم عنها في 2008 ،، إلا أنهم خرجوا من ربع النهائي على يد إيطاليا بـ ركلات الترجيح !! لتنتهي معها أحلام الإنجليز وتنتهي مسيرة كابيلو في إنجلترا دون تحقيق إنجاز يخلد ذكراه وذكرياته هناك .
وحالياً كابيلو لا زال مدرباً للمنتخب الروسي ،، ورغم أن المطالبات هناك وسقف الطموحات لا يبدو عالياً ولا يقارن بالأندية والمنتخبات التي سبق ودربها ،، إلا أن الدون كابيلو لا يحقق النتائج التي تليق بمسيرته ،، فـ أقصى ما حققه مع المنتخب الروسي هو الوصول إلى كأس العالم ،، والخروج من دور المجموعات بـ "نقطتين" فقط بعد تعادلين وخسارة !! رغم أن المجموعة لم تكن حديدية ،، فقد كانت تضم بلجيكا وكوريا الجنوبية والمنتخب الجزائري الشقيق !!
وعندما نتحدث عن بطولة دوري أبطال أوروبا ،، فـ إن أعظم إنجازات كابيلو كانت في الفترة الذهبية مع الميلان بـ تحقيق لقب واحد في 1994 على حساب بارسا كرويف ،، وقبل ذلك نالوا الوصافة أمام البطل مارسيليا !! عدا ذلك فإن كابيلو لم يتجاوز دور الـ 8 بأفضل أحواله مع يوفينتوس !! وقبل ذلك كان خروجه مبكراً من دور المجموعات مع نادي روما ،، وبينهما وصل مع ريال مدريد إلى دور الـ 16 .
الخلاصة هي أننا سنجد أن مسيرة كابيلو الذهبية كانت مع "الميلان" في الحقبة الأولى لم تتكرر مع أندية أخرى ،، حتى عندما تولى قيادة ريال مدريد وحتى عندما عاد مجدداً إلى ميلان ! وأن نجاحاته وإنجازاته في مسيرته بحصد (13 بطولة) خلال (24 سنة) في عالم التدريب ،، تبدو أرقام متوسطة ولا تعكس حقيقة المدرب الأسطوري . . مع ذلك هذه النظرة الرقمية لا تغير حقيقة وواقع أن كابيلو يُحترم كـ فكر قبل أن يُحترم كـ إنجاز .
2 ) آريغو ساكي
لا يمكن أن تسمع عن تاريخ ميلان دون أن يتبادر إلى ذهنك "ميلان ساكي" الذي يصنف على أنه واحد من أعظم الفرق والحقب في عالم كرة القدم عبر التاريخ . رحلة ساكي مع الميلان كانت مابين (1987-1991) حقق من خلالها : ١ دوري - ١ سوبر إيطاليا - ٢ دوري الأبطال - ٢ سوبر أوروبا - ٢ كأس العالم للأندية (بالنظام القديم وبمسمى انتركونتنتال) . ٨ بطولات في ٤ سنوات عظيمة كانت محصلة الجيل الأسطوري الخالد لآريغو ساكي !! هذا بجانب تفاصيل أخرى عظيمة . . نكتفي بالإشارة لها دون سردها .
بعد ذلك إتجه ساكي لتدريب المنتخب الإيطالي بين عامي (1991-1996) وحقق نجاح ممتاز بوصول إيطاليا لنهائي مونديال أمريكا وخسروا بركلات الترجيح لحساب البرازيل . إلا أن إيطاليا لم تكن بالنجاح نفسه في اليورو 1996 حيث ودعوا البطولة مبكراً من دور المجموعات ،، وحينها كُتبت نهاية ساكي مع الطليان .
ساكي عاد مجدداً إلى ميلان عام 1996 إلا أنه أيضاً لم يكتفي بعدم تكرار النجاح بل بتحقيق نتائج سلبية للغاية ،، لعل أبرزها النقطة السوداء في تاريخه الناصع واللامع ،، عندما خسر من يوفي ليبي (6-1) وعندما انتهى الموسم ولم يستطع أن يغيّر من واقع ميلان السيء شيئاً فـ انتهى في المركز "١١" كـ أسوأ مركز يصل إليه ووصل إليه ميلان في تلك السنوات .
أيضاً تجربة ساكي في أتليتكومدريد وكذلك مع بارما لم تكن تعكس أي نجاح ،، فضلاً عن كون تجربته مع ميلان في الحقبة الأولى أثبتت أنها فريدة من نوعها ! لكن هذا لم ولن يلغي من قيمة الرجل الذي قاد بفكره وعمله وحسن صنيعه فريقاً عظيماً لكتابة تاريخ عظيم !! ولم تكن تلك المبررات السخيفة التي تقال بحق غوارديولا حاضرةً مع ساكي ،، ربما لأن المتابعين آنذاك كانوا أكثر تفتحاً و رقياً ،، من جيل بات يكره أكثر مما يحب !!
3 ) مارسيلو ليبي !!
واحد من أكثر المدربين المظلومين بنظري ،، والذي قد جعل الأبيض والأسود أجمل مافي الشاشة الملونة !! ليبي الذي قاد اليوفي إلى العديد من الإنجازات العظيمة وحقق معهم نجاحات باهره فعلاً ،، رغم أنه لم يحظى بالصيت والإشادة والسمعة التي نالها ميلان ساكي أو حتى ميلان كابيلو ،، إلا أنه يظل في عين المتابع الجيّد لا يقل عنهما روعة وعظمة .
ليبي قبل أن يدرب اليوفي درب " ٨ أندية " إيطالية مختلفة ،، قبل أن يكون تاسعها مُخلف ! حقبة ليبي مابين (1994-1999) كانت عظيمة بتحقيقهم لـ (٩ بطولات) في ٥ سنوات . تفاصيلها : ٣ دوري - ١ كأس - ٢ سوبر إيطاليا - ١ أبطال - ١ سوبر أوروبا - ١ كأس عالم للأندية . وتخيلوا أنه خلال تلك المواسم الـ ٥ وصل اليوفي إلى ٤ نهائيات أوروبية !! ٣ منها نهائيات للأبطال وواحد منها نهائي كأس الإتحاد الأوروبي !!
بعد ذلك ذهب ليبي إلى الإنتر في تجربة فاشلة للغاية ،، رغم أنه إيطالي ويعرف خبايا الكالتشيو جيداً ،، لكن التجربة الفاشلة في العام 2000 قادت إدارة الإنتر إلى إقالته في الأسبوع الأول من الموسم الجديد بعد موسم مخيب للآمال سبقه . ليبقى ليبي ولمدة موسم كامل دون تدريب !!
عاد ليبي مجدداً إلى يوفينتوس في حقبة أخرى لكنها هذه المرة كانت أقصر (2001-2004) ورغم أنها أيضاً كانت أقل نجاحاً إلا أنها تعتبر عظيمة ،، مقارنةً بـ عودة كابيلو أو ساكي للميلان . خلال هذه الفرة حقق اليوفي ٤ بطولات : ٢ دوري - ٢ سوبر إيطاليا . كذلك وصلوا إلى نهائي الأبطال في ٢٠٠٣ لكنهم خسروا أيضاً ضد ميلان بركلات الترجيح !!
بعد ذلك إتجه ليبي إلى تدريب المنتخب الإيطالي (2004-2006) ليحقق نجاحاً باهراً بالفوز ببطولة كأس العالم !! جاعلاً هذا الإنجاز آخر حكاياته مع الآزوري وراغباً بالخروج من أوسع الأبواب .
الظروف أجبرت ليبي للعودة مجدداً للمنتخب الإيطالي وقيادته في كأس العالم 2010 خاصةً بعد الفشل والخروج من ربع نهائي يورو ٢٠٠٨ ،، ليعيد الطليان تجديد ذكرياتهم مع ليبي ورغبتهم بـ سيناريو مشابه لما حدث في المونديال الماضي من بعد اليورو الماضي !! لكن الصدمة كانت قوية والعودة كانت مؤسفة للغاية ،، عندما ودع الطليان البطولة من الدور الأول - دور المجموعات - ليرحل بعدها ليبي بالكثير من الندم على تلك العودة .
ويمكننا أن نصنف مسيرة ليبي على أنها يجب أن تدرّس فعلاً ،، حتى مع تجاهلي لمحطته الأخيرة الناجحة في الصين وآسيا ،، إلا أنها بالفعل تستحق وقفة احترام لهذا الرجل . مع أنها فيها الكثير من العبر والتأكيدات التي أهدف للوصول لها وضرب الأمثال بها ،، بأنه لا يمكنك أن تكرر الإنجازات العظيمة في كل مرة ،، حتى لو كنت تقود نفس النادي أو ذات المنتخب مجدداً !
بـيـب "صغير" . . ولكن !!
عندما نتحدث عن مدرب مثل "خوزيه مورينهو" فإننا سنشعر أننا نتحدث عن مدرب جديد العهد ولا يقارن بالخبرة والعمر التدريبي بالمذكورين أعلاه ،، إلا أنه مع ذلك عمره التدريبي أكثر من "١٥ عام" بخلاف تواجده كـ مساعد للمدرب قبل توليه زمام أمور الفرق والأندية . أكتب هذه المقدمة لأوضح للسادة القرّاء بأن عمر بيب التدريبي هو "٦ سنوات" فقط !! وتلك النجاحات العظيمة التي حققها خلال السنوات الـ ٦ في مسيرته تعكس أنه بالفعل "مدرب معجزة" في عصره !! بيب ليس مجموعة من الألقاب الجماعية ،، بل هو فكر وأسلوب وفلسفة !! بيب يقول في إحدى تصريحاته " إن نجاح المدرب ليس مقتصر على تحقيق الألقاب فقط ،، بل النجاح أيضاً عندما يأتيك اللاعب ويقول لقد جعلت مني لاعباً أفضل ".
عندما نتحدث عن بيب فـ نحن نتحدث عن مدرب تتلمذ على يدي كرويف وبوبي روبسن وفان غال ،، بالإضافة لكونه قائد عظيم في فريقه كـ "لاعب" !! ونحن نتحدث عن مدرب أصاب أسلوبه مدربين آخر كبار بـ "فتنة" ،، فـ كان بعض المدربين يستعينون بـ أشرطة فيديو لبارسا بيب ويطلبون من لاعبيهم القيام بنفس المهام والأفكار في طريقة اللعب !! حتى عندما نتحدث عن المدربين الشباب مثل "زيدان" فقد إختار بيب غوارديولا كـ أحد من يستعين بفكرهم ونصائحهم وقد قال عنه بأنه "مُلهم" !!
عندما عاد هاينكس لتدريب بايرن ميونخ في الحقبة الثانية ،، كان هذا بعد أن قضى "٣٠ عاماً" تقريباً في عالم التدريب منها ما يقارب الـ "٢٠ عام" داخل ألمانيا !! بينما غوارديولا عندما تولى زمام الأمور في بايرن كان عمره التدريبي لم يتجاوز الـ "٤ سنوات" قضاها بين أحضان ناديه الأم ،، وليست لديه أي خبرة سابقة في الكرة الألمانية أو حتى باللغة الألمانية .
لذلك علينا أن نعي فعلاً أن غوارديولا قليل الخبرة في عالم التدريب ،، وما حققه ويحققه من نجاحات يعكس أنه مدرب عظيم يسبق عصره ويكبر عمره !! وتحقيقه لـ ١٩ بطولة في ٦ سنوات حتى الآن يعتبر إنجاز رقمي خرافي مهما حاول البعض الإستنقاص منه . مع الأخذ بالإعتبار أن غوارديولا ليس المدرب الذي يبحث عن الفوز بأي طريقة ،، وليس المدرب الذي يرى أن الغاية تبرر الوسيلة ،، لذلك نجاحه ليس تحقيق الألقاب فقط بل نجاحه بتحقيق تلك الألقاب من خلال فكره وأسلوبه وفلسفته الخاصة . لهذا هو يلعب بأسلوب مختلف تماماً عن هاينكس في بايرن ،، ولم يكن مجرد مدرب تابع يتخذ نفس النظام في التدريبات والترتيبات والأسلوب وطريقة اللعب . هو لا يسير مثلاً بالطريقة التي سار عليها تيتو بعد خروج بيب من برشلونة ،، حيث اجتمع باللاعبين في اليوم الأول وقال أن كل شيء في عهد بيب سيستمر كما هو تماماً !! لهذا هذا هو الفرق بين المدرب التابع والمدرب المستقل ،، حتى لو كان التابع يملك بعض الأفكار العظيمة ،، فإن المستقل دائماً أفضل .
غوارديولا لن يبقى طويلاً في بايرن ،، ومسيرته القصيرة ستطول حتماً ! سيذهب للبريميرليج وسيمر بالكالتشيو وربما يعود لليغا من جديد وربما يخوض تحدي المنتخبات . . لا أحد يعلم ! ما زال المستقبل أمامه طويل وشاق ومجهول ،، لكن أياً كانت ما ستؤول إليه الأمور لا يجب أن تنسينا الأيام عظيم صنعه في البارسا ولا روعة إنجازاته مع البايرن ولا بصمته الواضحة ولا أسلوبه الخاص وطريقة لعبه . علينا أن نعامله كما نعامل كابيلو وساكي وليبي وكرويف وفان غال وغيرهم . . وكل من قدموا لكرة القدم فكراً وأسلوباً وفلسفة ،، بجانب النجاحات الكبيرة التي أسعدت العشاق والمتابعين والأنصار !!
وختاماً أعود لما عنونت به ،، سأقول وأعترف وأقر بـ أن " بيب فاشل " . . ولكن علينا أن نعتبر أن هؤلاء جميعاً هم فشلة أيضاً ! فلا أحد منهم نجح بـ تكرار إنجازاته العظيمة ،، ولا أحد منهم كان أعلى من بيب في رصيد البطولات ،، ولا أحد منهم كان خالياً من مواسم الفشل والخروج بـ نتائج سيئة ،، بل وأحياناً . . موسم خالي من الألقاب !!
،،
،
أخـــوكــم / ســعـــود !